#1
|
||||
|
||||
![]()
- في هذه الأيام التي نحياها وسط كل هذا الزخم الإعلامي , والأحداث المتتابعة المتوالية في العالم الإسلامي , لابدّ و لا شكّ أن يتبعه تتابع طردي على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة , التي أصبحت منبرًا لكلّ شخص يبين فيه رأيه و تعبيره , و يصنع عالمًا موازيًا يرؤسه بذاته , و يسطّر فيه دستورًا يعمل به , ويستمدّ أفكاره من مستشاره الأول ألا وهو العقل .
و وسط هذا كلّه , يوجد الكمّ الهائل من القراءات والكتابات , و يوجد الكم الهائل – أيضًا – من القرّاء والمتابعين والمعجبين , و لا ريب أن هذه المواقع الاجتماعية - بالفعل – سهّلت و يسّرت عملية التواصل و المكاتبات و إبداء الآراء , إلا أنّها في ذات الوقت لها سلبياتها المتعددة – مصائب - التي وقعنا – نحن الشباب – فيها إلا من رحم ربّي. ومن هذه السلبيات المصائبية هي اختفاء الموضوعية عند بعض الكتّاب , وهو ما يعتبر مؤشّر خطر على مقاييس التقدّم , فالموضوعية هي أولاً وآخرًا رأس الرقي و مختبر الصدق و نقاحة الفكر . - فتجد على سبيل المثال لا الحصر ؛ تأويل الخبر على هوى صاحبه , فهو إما معارضٌ لفكرة فيأوّل الخبر على التعارض , وإما مؤيد لها فيحمله على التأييد , بل قد يحرّف في نقل الخبر ابتغاء نصرة الفكرة , و يسمي ذلك فوزًا أو إنجازًا وما هو بذلك , فاختفى العدل في النقل والنشر واختفت معه الموضوعية فاختفت الحقيقة و ساد الظلم – ظلم العقل أقصد – قتنامت الشائعات شيئًا فشيئًا . لذا فالمنهج القرآني القويم قد نبهنا على ضرورة القسط والعدل في أمورنا كلّها وعدم اتباع الهوى ولو على أنفسنا , أو والدينا , أو الأقربين , فقال جل شأنه : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) (1) . فقوله – جل شأنه - ( فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) أي : فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغضة الناس إليكم ، على ترك العدل في أموركم وشؤونكم ، بل الزموا العدل على أي حال كان ، كما قال تعالى : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )(2) . - ومن الآفات أيضًا: سهولة نقل الشائعات , واختفاء منهاج التثبت: فهذا يريد أن يأخذ سبق النشر , وذاك يريد أن يكون أوّل من يبلغ ذويه , وذاك يريد أن تكون صفحته منبرًا إعلاميا فتصير – دون قصدٍ منه – مستنقعًا من الشائعات , فهذا يُجرَّح فيه , وهذا يُطعَن فيه وفي عِرضه , وهذا يُسَبُّ ويُلعَن , و شركة تفقد مصداقيتها بسبب شائعة سخيفة أطلقها مزوّر حقيقة , إلخ ... , ثم نَشَرَهَا و ساعد عليها فاقدي موضوعية ناقصي علمٍ ودين . اسمع لقوله جلّ شأنه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (3) فقوله ) أن تصيبوا قوما بجهالة( يقول - تعالى ذكره - : فتبينوا لئلا تصيبوا قوماً برآء مما قذفوا به بجناية بجهالة منكم ) فتصبحوا على ما فعلتم نادمين( يقول : فتندموا على إصابتكم إياهم بالجناية التي تصيبونهم بها (4) . لذا فالتثبت من المعلومة أو الخبر قبل نشره هو أمر واجبٌ أمر به جل شأنه في كتابه العزيز , وتوعد من خالف ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكل ما سمع ) (5) , بل اسمع إلى هذا الوعيد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه ، قال : ( فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه ، فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، قال : ثم يتحول إلى الجانب الآخر ، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب الآخر فيفعل حتى يصح الأول كما كان ، ثم يعود فيفعل كما كان فعل به في المرة الأولى ، قال : قلت : سبحان الله ، ما هذان ؟ قالا : انطلق فذكر الحديث ، ثم قال في التفسير : " فأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، ومنخراه إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق)(6). تأمل عزيزي القارئ في الحديث , و انظر إلى وعيد مطلق الشائعات التي تبلغ الآفاق , فانتبه أنت على نفسك أن تكون منهم , أو تكون ممّن يساعدهم فتنشر دون تثبت فتشاركهم – لا قدّر الله – عذابهم . - و ممّا ابتلينا به أيضًا ؛ أنّ مواقع التواصل الاجتماعي صنعت – كما ذكرنا – للإنسان عالمًا موازيًا , فتجد – أحيانًا – رونقًا خاصًّا في الكتابات و وقارًا في التعليقات وهيبةً في التساؤلات والمناقشات , ثم هو على أرض الواقع وفي حقيقة الوجود إنسان شتّامٌ لعَّان , لا يُؤخذ منه علم و لا يصلح للحديث الهادئ الجاد الراقي , فتجد انفصامًا بين هذه الحالة وتلك ؛ سببه أنّ هذه المواقع قد تصنع عالمًا أو مفكرًا أو أديبًا بعدد من الإعجابات والتعليقات نالها من بعض محبيه وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك , فيظن الواحد منهم أنّ ميدان العلم والأدب ينحصر في هذه , وأما ميدان الوقاحة و الكلاحة ففي الواقع والشارع وبين الناس والله المستعان ! فلنحاول جميعًا أن يكون ما نكتب موافقًا لما نفعل – قدر الإمكان والاستطاعة – ولنحاول جميعًا الالتزام بخلق النبي – صلى الله عليه وسلم – والرقي في التعامل والحوار في كل الأماكن والحوارات . - و من المصائب أيضًا : كثرة السبّ والشتائم النابية بين أفراد البلد الواحد , أو بين أفراد البلدين – الدولتين – لأسباب تافهة , بل حتى لو لأسبابٍ كبارٍ لما صحت الشتائم والسباب المتبادل , فتجد على سبيل المثال أن المنتسبين لإحدى الجماعات الفكرية يسبُّ ويلعن من كل عادى الفكرة , بل ويدخل في جدالاتٍ عقيمة بين آخر تنتهي غالبًا بالسب أيضًا , و ممّا يزيدك ألمًا وحسرة أن تجد صفحة إسلامية تسبّ شخصًا بأفظع الشتائم , بل و تطعن في عرضه , و أكثر من ذلك أن تفتح ميدان الشتم عليه ؛ فترى معجبي الصفحة كلٌ يهاجم بطريقته , فهذا يتوعّد بضربه , وهذا يشتم , وهذا ينشر "فيديو" لفضحه , إلى آخر هذه التفاهات . أهذه هي الأخلاق الإسلامية القويمة التي تعلمناها ؟! أهذه هي الأخلاق التي سننصر بها ؟! كلّا .. ألم يسمع الخلق و الكُتّاب قوله – جل شأنه – ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) (7) قال ابن كثير - رحمه الله - : الهماز : بالقول ، واللماز : بالفعل . يعني : يزدري بالناس وينتقص بهم . قال ابن عباس - رضي الله عنه – (همزة لمزة) طعان معياب . وقال الربيع بن أنس : الهمزة ، يهمزه في وجهه ، واللمزة من خلفه . وقال قتادة : يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ، ويأكل لحوم الناس ، ويطعن عليهم . وأما الويل فمعناه: الخزي والعذاب والهلكة , وقيل : واد في جهنم (8) – والعياذ بالله - . وقال صلى الله عليه وسلم : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ) (9) . هذا وينبغي في هنا أن ننبه على أمرٍ هام قد يخلف عليك عزيزي القارئ بخيرٍ عظيم , وهو الردّ عن عرض أخيك المسلم كل ما هو شرٌّ في غيبته , فعندما تسمع أحدهم يقول: "فلان كذا وكذا" مغتابًا إياه ذاكرًا إيّاه بما يكره , فردّ عنه ذلك الكلام وقل : "اتق الله , هذا الكلام غير صحيح , فلان محترم أو على خلق" أو "ربنا يهدينا ويهديه , اتق الله لا تتكلم عن أحد في غيبته" , ولهذا العمل فضلٌ عظيمٌ جدًا ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من ردّ عن عرض أخيه , ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة ) (10) . وفيه نهاية هذا الخبر أوجّه لي ولك – عزيزي القارئ - نصيحة غالية من الإمام الشافعي – رحمه الله – حين قال: لِسانُك لا تذكر بِه عَورةَ امرئٍ ... فكلك عوراتٌ و للناسِ ألسنُ فاحرص على ذلك , وابتعد عن كل شرٍ في كتاباتك وبلسانك , و الجأ إلى نصيحةِ من تريد سبابه و لعانه , فأنت تعلم قوله صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة ) (11) . كان هذا – ما ذكرناه – بعض من الآفات والسلبيات التي ابتلينا بها في مواقع التواصل الاجتماعيّ وهي نقطة من بحر , و أذكر بعض النصائح الهامّة جدًا التي يجب أن تراعى عند النشر في تلك المواقع: 1- احرص على ألّا يكون خطابك الموجّه داعيًا لعنفٍ أو سبٍ أو لعنٍ أو شيء من هذا القبيل فتدخل ضمن سيئاتك أنت لأنك أنت المسبب لها . 2- احرص عند نشرك لمعلومة أن تكون متأكدًا منها 100% خصوصًا لو كانت آية قرآنية , أو حديثًا شريفًا , وذلك من خلال طريقة سهلة وبسيطة ؛ مثلاً عندما تريد التأكد من صحة حديث قبل نشره عليك بالآتي : ادخل على موقع Google وفي مكان البحث؛ اكتب نص الحديث الذي تريد أن تتأكد منه مرفقًا بعلامة زائدٍ ثم إسلام ويب: ( .... الحديث .... + إسلام ويب ) حيث أنّ موقع إسلام ويب شمل موسوعةً للحديث الشريف , توجد فيه تقريبًا جميع الأحاديث الشريفة الصحيحة , وكذا نفعل في الآيات الكريمة عندما نريد أن نتأكد من كتابتها الإملائية , أو نبحث عن تفسير لها , وكذا في بعض الأحكام الشرعية , فلا تتسرع قبل البحث والتأني . 3- ما أسهل أن يكون الإنسان شتّامًا لعّانًا يسب ويحقّر , ولكن ما أصعب أن يكون محترِمًا لنفسه فُيحترَم من غيره وهو المطلوب. 4- اجتنب الجدال العقيم بقدر الإمكان , وابتعد عنه و اشغل نفسك بما يفيدك , واعمل بقوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقًا ) (12) ؛ والمراء هو: الجدال . فقل لما أكثر الجدال معك , ما رأيك أن نُنهيَ الجدال ويكون لنا بيتًا في الجنة ؟ فتنهي الحوار في سهولة ويسر و دون إحراج من يجادلك . 5- لا تنشر صورًا قبيحة أو أي معصيةً كانت؛ فتكون لك كمثل السيئة الجارية تتبعك وأنت في قبرك . 6- لأصدقائك و متابعيك عليك حق ؛ فحاول أن تنفعهم ؛ بتذكيرهم بدعاء أو أذكارٍ , أو علمٍ ينتفع به , أو ما يحصل به الفائدة عمومًا , اجعلهم يحافظون على ورد قرآني , أو ورد من الأذكار مع بيان فضله , فتكون لك حسنةً جارية تتبعك في قبرك. 7- سارع بالنصيحة لمن تراه على خطأ – ما دمت متيقنًا من الصواب - , وسارع بتصحيح الخطأ في نشر الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة بالطريقة التي ذكرناها . 8- لا تضيّع وقتك كلّه على تلك المواقع , فهناك درر كامنة في الكتب و المواقع العلمية في انتظارك . 9- اسمع لنصيحة غيرك , وحاول تطوير نفسك , وتمتع بالمرونة الذهنية وابتعد عن الجمود الفكري . 10- إذا تبين لك خطأ في نشرك لمعلومة أو حديث , سارع بالعودة عنه و نبه وعرّف الناس الصحيح . 11- لا تنشر الترّهات أمثال : ( حامل مفاتيح الحرم النبوي ورؤية الرسول – صلى الله عليه وسلّم - , ظهور المسيح الدجّال , انشر صورة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وماهو بقبره - , إذا لم ترسلها ستسمع خبر حزين وإذا أرسلتها ستسمع خبر يسعدك , قال صلى الله عليه وسلم : من أخبر به الناس فرج الله كربه – وهو حديث موضوع - , من علامات القيامة سقوط سبعة من أمراء الدول , يا عليّ لا تنم قبل أن تفعل سبعة أشياء ... إلخ ) كل هذا من قبيل العبث , وإلقاء الشبهات , والكذب على الله ورسوله وغيره الكثير الكثير , فلا تنشر مثل هذه الترّهات وسارع بالتكذيب بعد التأكدّ . 12- وأهم هذه النصائح على الإطلاق أن تضع نصب عينيك ما حييت قوله – سبحانه و تعالى - : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (13) . نسأل الله جل شأنه أن يهدي شباب المسلمين وأن يعلي بهم , ويجعل الخير على أيديهم. الهوامش: 1- سورة النساء آية (135). 2- تفسير ابن كثير . 3- سورة الحجرات آية (6). 4- تفسير الطبري. 5- صحيح مسلم . 6- أخرجه البخاري في الصحيح. 7- سورة الهمزة آية (1). 8- تفسير القرطبي. 9- صحيح البخاري. 10- رواه الترمذي وغيره. 11- رواه البخاري ومسلم. 12- سنن أبي داود. 13- سورة ق آية (18). أكثر... |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
السيسي وصباحي: من ينجح في جذب الشباب عبر مواقع التواصل؟ | RSS | المجاوشي للأخبار العامه والسياسية والرياضية | 0 | 05-22-2014 09:01 PM |
مشكله فى كود مواقع التواصل الاجتماعى | RSS | Arabic Rss | 0 | 01-25-2014 11:51 PM |
هل اختلف دور مواقع التواصل بمصر؟ | RSS | المجاوشي للأخبار العامه والسياسية والرياضية | 0 | 07-01-2013 09:57 PM |
مواقع التواصل الاجتماعي.. إلى أين؟ | RSS | المجاوشي للأخبار العامه والسياسية والرياضية | 0 | 05-19-2012 08:13 PM |
مواقع التواصل تهدد الخصوصية | RSS | المجاوشي للأخبار العامه والسياسية والرياضية | 0 | 06-05-2011 03:38 PM |
|